
شهادة أن لا إله إلا الله: كلمة التوحيد، هي أصل الدِّين وأساسه، ومعناها لا معبود بحق إلا الله، وفضلها عند الله عز وجل عظيم، فقد جعلها الله سبب النجاة من النار، ومغفرة الذنوب، والأحاديث النبوية الدالة على فضل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" كثيرة، منها:
1 ـ عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِنْ عبدٍ قال: لا إلهَ إلا الله، ثم مات على ذلك إلا دخَلَ الجنة، قلتُ: وإن زنى وإن سَرَق؟ قال: وإن زنى وإن سَرَق، قلتُ: وإن زنى وإن سَرَق؟ قال: وإن زنى وإن سَرَق، قلتُ: وإن زنى وإن سَرَق؟ قال: وإن زنى وإن سَرَقَ على رَغْمِ أنفِ أبي ذرٍّ. وكان أبو ذرٍّ إذا حدَّثَ بهذا قال: وإن رَغِمَ أنفُ أبي ذرٍّ) رواه البخاري.
2 ـ عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ألا أُخبرُكم بوصيةِ نوحٍ ابنَه؟ قالوا: بلى، قال: أوصى نوحٌ ابنَه، فقال لابنه: يا بُنيَّ! إني أوصيك باثنتَين، وأنهاك عن اثنتَين، أُوصيك بقول: لا إله إلا الله، فإنها لوْ وُضِعَتْ في كِفَّة، ووُضِعَت السمواتُ والأرض في كِفَّة، لرجَحتْ بهن) رواه أحمد وصححه الألباني.
3 ـ عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنَّ اللَّه سيُخَلِّص رجلًا من أمَّتي على رؤوسِ الخلائقِ يوم القيامة فينشُرُ عليه تسعةً وتسعينَ سجلًّا، كلُّ سجلٍّ مثلُ مدِّ البصر، ثمَّ يقول: أتنكِرُ من هذا شيئًا؟ أظلمَكَ كتبتي الحافِظون؟ يقول: لا يا ربِّ، فيقول: أفلكَ عذرٌ؟ فيقول: لا يا ربِّ، فيقول: بلى، إنَّ لك عِندنا حسنة، وإنَّه لا ظُلمَ عليك اليوم، فيخرجُ بطاقةً فيها أشهد أن لا إله إلَّا اللَّه، وأشهد أنَّ محمَّداً عبدُه ورسوله، فيقول: احضُر وزنَك، فيقول يا ربِّ، ما هذه البطاقة ما هذه السِّجلَّات؟ فقال: فإنَّكَ لا تُظلَم، قال: فتوضَع السِّجلَّاتُ في كفَّة، والبطاقة في كفَّة، فطاشتِ السِّجلَّاتُ وثقُلتِ البطاقة، ولا يثقلُ معَ اسمِ اللَّهِ شيءٌ) رواه الترمذي وصححه الألباني.
4 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: (يا أبا هريرة اذهب بنعلي هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله، مستيقنًا بها قلبه، فبشره بالجنة) رواه مسلم.
5 ـ عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة) رواه مسلم.
6 ـ عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار) رواه البخاري.
7 ـ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أشهد أن لا إله إلا الله وأنِّي رسول الله، لا يلقي الله بهما عبد، غير شاك فيهما، إلا دخل الجنة) رواه مسلم.
8 ـ روى البخاري من حديث عتبان بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله عز وجل).
9 ـ عن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِنكُم مِن أحَدٍ يَتَوَضَّأُ فيُبْلِغ، أوْ فيُسْبِغ، الوَضُوءَ ثُمَّ يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، إلَّا فُتِحَتْ له أبْوابُ الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) رواه البخاري.
قال ابن القيم في كتابه "حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح": "ولقد جعل الله لكل مطلوب مفتاحاً يفتح به، فجعل مفتاح الصلاة الطهارة، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مفتاح الصلاة الطهور)، ومفتاح الحج الإحرام، ومفتاح البر الصدق، ومفتاح الجنة التوحيد".
الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأن فضل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" كثيرة، منها المُطْلَقة، ومنها المُقيَّدة، ولا يصح الاحتجاج بالمطلقة دون النظر إلى المقيدة، وقد استنبط العلماء من هذه الأحاديث النبوية وغيرها في فضل كلمة التوحيد، شروطا لابد من توافرها، وهذه الشروط هي أسنان المفتاح الذي تُفْتَح به الجنة، ومنها: العلم، واليقين، والصدق، والإخلاص، والقبول، والانقياد، والمحبة، هذا بالإضافة إلى الإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم. قال ابن القيم في قصيدته النونية، مشيرا إلى بعض أسنان هذا المفتاح الذي تُفْتَح به الجنة، وهي تلك الشروط التي استنبطها العلماء من الأحاديث النبوية، فقال:
هذا، وفتح الباب ليس بمُمْكِنٍ إلا بمفتاح على أسْنانِ
مفتاحه بشهادة الإخلاص والتوحيد تلك شهادة الإيمان
أسنانه الأعمال، وهو شرائع الإسلام والمفتاح بالأسنان
لا تلغين هذا المثال فكم به من حل إشكالٍ لذي العرفان
وقال حافظ بن أحمد الحكمي في "معارج القبول": "وقيل للحسن البصري: إن ناسا يقولون: من قال لا إله إلا الله دخل الجنة، فقال: من قال لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة. وقال وهب بن منبه لمن سأله: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك، وإلا لم يفتح لك". وقد جمع الشيخ الحكمي الكثير من فضائل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله، وشروطها، وما يتعلق بها في قوله:
العلم واليقين والقبول والانقياد فادْرِ ما أقول
والصـدق والإخلاص والمحبة وفقك الله لما أحبه
وقوله:
وَقَدْ حَوَتْهُ لَفْظَةُ الشَّهَادَةِ فَهْيَ سَبِيلُ الْفَوْزِ وَالسَّعَادَةِ
مَنْ قَالَهَا مُعْتَقِدًا مَعْنَاهَا وَكَانَ عَامِلًا بِمُقْتَضَاهَا
فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَمَاتَ مُؤْمِنَا يُبْعَثُ يَوْمَ الْحَشْرِ نَاجٍ آمِنَا
وقال الحافظ ابن رجب: "وتحقيق هذا المعنى وإيضاحُه أن قولَ العبد: "لا إله إلا الله" يقتضي أنْ لا إله له غيرُ الله، و"الإله": هو الذي يُطاع فلا يُعصى هيبة له وإجلالاً، ومحبة، وخوفًا، ورجاءً، وتوكلاً عليه، وسؤالاً منه، ودعاءً له، ولا يَصْلُحُ ذلك كلُه إلا لله عز وجل، فمن أشرك مخلوقًا في شيء من هذه الأمور - التي هي من خصائص الإلهية - كان ذلك قدْحاً في إخلاصه في قول: لا إله إلا الله، ونقصًا في توحيده".
كلمة الـتـوحـيد "لا إله إلا الله" جعلها الله تعالى باب الدخول في الإسلام، كما جعلها سبب النجاة من النار، ومغفرة الذنوب ودخول الجنة، وقد كثرت وتواترت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في عِظم وفضل "لا إله إلا الله". ومع هذه الأحاديث النبوية الكثيرة، فقد تواردت آيات قرآنية وأحاديث نبوية تبين توقف دخول الجنة ـ بعد فضل الله ـ على العمل، وعلى فعل الفرائض واجتناب المحارم، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مَن شَهِدَ أنْ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وحْدَه لا شريك له، وأنَّ مُحمَّداً عَبْدهُ ورسولُه، وَأنَّ عِيسَى عبدُ اللَّهِ وَرَسُوله، وكَلِمَتُه أَلقاها إلى مَرْيمَ ورُوحٌ منه، والجنَّةُ حقٌّ، والنَّار حَقٌّ، أَدْخَلَه اللَّهُ الجنةَ على ما كان مِنَ العمل) رواه البخاري. قال النووي: "هذا محمول على إدخاله الجنة في الجملة، فإن كانت له معاص من الكبائر فهو في المشيئة (مشيئة الله، إن شاء عاقبه، وإن شاء عفا عنه)".
من مات على التوحيد، موقناً أنه "لا إله إلا الله" غير آتٍ بشيء من نواقضها فهو من أهل الجنة، وقد يدخل النار فيُعَذَّب بما عليه من الإثم، وقد يَغْفِر اللهُ عز وجل له، وإن عُذِّب بما عليه فمآله إلى الجنة في نهاية الأمر ـ بفضل الله تعالى ـ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَنْ يُدْخِلَ أحَدًا عَمَلُهُ الجَنَّةَ، قالوا: ولا أنْتَ يا رسول اللَّه؟ قال: لا، ولا أنا، إلَّا أنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بفَضْلٍ ورَحْمة) رواه البخاري. وقد أوصانا نبينا صلى الله عليه وسلم بالإكثار من قولنا "لا إله إلا الله"، وبَشَّرَ مَنْ كان آخر كلامه في حياته "لا إله إلا الله" بالجنة، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كانَ آخرُ كلامِهِ لا إله إلَّا اللَّه دخل الجنة) رواه أبو داود وصححه الألباني.