الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

والدي عصبي يعاملنا بسوء وأخشى عاقبة رد فعلي!

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أجد صعوبة في التعامل مع والدي، وأصبحت أفقد الأمل في دخول الجنة بسبب أمر البر به! فوالدي عصبي جدًا، وغالبًا ما يرفع صوته، ويعاملني وأخي ووالدتي بطريقة سيئة، ويعايرني بالذنب وبأشياء أخرى، لكنه يصرف علينا، ويصلي في المسجد، ويصوم، ويقرأ أذكار الصباح والمساء، وأحيانًا يعاملنا بطريقة جيدة، ولكن العصبية تتملكه، ونحن نعامله بالحسنى، وننصحه في أمر الغضب ذاك، لكن لا فائدة!

ظننت أنه داء، لكن عندما وجدت أنه يعامل أصدقاءه في العمل بطريقة هادئة، ويضحك معهم، ويعاملهم بطريقة جيدة، يعني ذلك أنه ليس داءً عنده، فأصبحت أرد له نفس الفعل، أي عندما يتعصب عليّ دون سبب أتعصب عليه، وأرفع صوتي، ومنذ ذلك الوقت الذي أصبحت أرد عليه بنفس الطريقة وأنا أشعر أنه لا أمل لي بدخول الجنة!

بحثت كثيرًا عن نصوص شرعية سواء كانت أحاديث أو آيات تدل على أنه يجب البر بالابن ولم أجد سوى قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ}. عندما قلتها له قال لي أكمل الآية فوجدتها: {لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ}، لا أدري ماذا أفعل؟ ما العمل؟ ما الحل؟

كلما أبحث عن حل لا أجده ينفع معه، حتى صرت أدعو عليه، وأعلم أنه يجب عليّ الصبر، والبر به، والدعاء له، وأنا أفعل ذلك بالفعل، إلا إنه يتمادى كل يوم أكثر فأكثر.

أنا أخاف العذاب، وأشعر أني سأتعذب وسأدخل جهنم، لقد تعبت جدًا، لا أدري، هل هذه عادة أم سحر أم ماذا؟ أصبحت مرهقًا جدًا بسبب ذلك الأمر، أفيدوني جزاكم الله خيرًا، وأعتذر اعتذارًا شديدًا على الإطالة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ عبد الفتاح حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نسأل الله أن يفرج همك ويعينك على هذا البلاء، فهمنا من كلامك أنك تعاني كثيرًا بسبب تصرفات والدك العصبية، وأنك تشعر بأنك تفقد الأمل في دخول الجنة بسبب ردود فعلك نحوه، دعنا نقدم لك بعض النصائح والمشورات التي قد تفيدك:

من المهم أن تفهم أن تصرفات والدك قد تكون نتيجة لضغوط نفسية، أو مشاعر غير معبر عنها، فالعصبية قد تكون طريقته في التعبير عن هذه الضغوط، وهذا لا يبرر سوء المعاملة، ولكنه يساعد في فهم سبب تصرفاته.

- حاول أن تبقى هادئًا ولا ترد بصوت عالٍ أو بعصبية؛ لأن ذلك يزيد الوضع سوءًا.
- حاول التحدث مع والدك عندما يكون في حالة مزاجية جيدة، وأخبره بمشاعرك وتأثير تصرفاته عليك.
- اعتنِ بنفسك وبصحتك النفسية، وقد يكون من المفيد التحدث مع مستشار نفسي للحصول على دعم وتوجيه.
- بر الوالدين من أعظم القربات إلى الله، وقد أمرنا الله به حتى وإن كانا على غير الحق.
- تذكر أن الصبر على الأذى من الوالدين يُحتسب لك عند الله، وهو نوع من الجهاد.
- حاول أن تجد شخصًا مؤثرًا في حياة والدك، مثل إمام المسجد أو أحد أصدقائه، لنصحه بطريقة لينة.
- تذكر أن أمر البر بالوالدين عظيم، ولا بد من الصبر عليه، قال الله تعالى: {وَقَضَىٰ رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ۚ إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا}، وقال النبي ﷺ: (رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف، قيل: من يا رسول الله؟ قال: من أدرك والديه عند الكبر أحدهما أو كليهما ثم لم يدخل الجنة) [رواه مسلم].

- هل يجب على الأب أن يبر بابنه؟
نعم، كما يجب على الابن أن يبر بأبيه، لكن النسبة تختلف، فبر الأب بابنه لا يُقارن ببر الابن لأبيه؛ لأن حق الأب على ابنه أعظم من حق الابن على أبيه، فالوالدان هما سبب وجود الابن، وقد تعبا وسهرا على تربيته وتوفير احتياجاته، فإذا قام الأب ببر ابنه، فقد قدم ما يجب عليه، وإن قصر في هذا البر وأساء إلى ابنه، كان هذا منقصة في حقه، وقد يُؤاخذ بذلك عند الله تعالى إن لم يكن له عذر.

وكذلك الحال يُقال في طرف الابن، فيجب عليه أن يبر بأبيه، فإن قصر فهو مُؤاخذ كذلك عند الله تعالى إن لم يكن له عذر، وهكذا تلاحظ أن البر ينبغي أن يصدر من الطرفين، ولكن نسبة هذا الطرف تختلف عن نسبة الطرف الآخر، وأنت مأجور على صبرك.

خلاصة القول: التعامل مع والد عصبي ليس بالأمر السهل، ولكن بالصبر والدعاء والمحاولة المستمرة للتواصل بطريقة إيجابية، يمكن أن تجد سبيلاً لتحسين العلاقة، وإذا وجدت صعوبة كبيرة في التعامل، فقد يكون من الحكمة طلب المشورة من مستشار أسري أو إمام مسجدك، للحصول على دعم إضافي.

نسأل الله أن يفرج همك، ويصلح حالك وحال والدك، وأن يجعلك من البارين بوالديك، وأن يرزقك الجنة بصبرك وإحسانك.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً